فتاوى الزكاة
المسألة الثانية: زكاة الحلي
الحلي رأس> يراد بها ما يلبس من حلي الذهب أو من الفضة، أي ما تتحلى به النساء، لأن الحلي خاص بالنساء، أما الرجال فلا يلبسون الحلي لأنه محرم عليهم، ويمكن للرجل أن يلبس خاتما من فضة أو يرخص له بقبيعة السيف ونحوها من الأدوات، أما المرأة فإنها بحاجة أن تلبس الحلي لتتجمل به عند زوجها، وكذلك عند الخطَّاب فتتجمل بالذهب، فأبيح لها ما جرت العادة بلبسه، فمنه ما يلبس بالرقبة ويسمى قلائد، وقد يتوسعون به بما يسمى (بالرشارش) حتى تصل إلى الثدي أو تحت الثدي، ويلبس أيضا في الأيدي، في الأصابع ويسمى الخواتيم، وفي الذراع ويسمى بالأسورة، وتسمى أيضا غوايش، ويسميها بعضهم بناجر، وهذه كلها من الحلي، ويلبس في الأذن أيضا الأقراط واحدها قرط، ويسميها بعضهم خرص، ويتوسعون الآن فيلبسون على وسط البطن ما يسمى بالحزام، وكانوا في القديم يلبسون في الأرجل ما يسمى بالخلاخل وهي الزينة الخفية وقد ذكرها الله تعالى بقوله: رسم> وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ قرآن> رسم> فهذا الحلي هل يزكى أم لا؟
الجواب:-
كثير من الفقهاء قالوا: إنه لا يزكى وما ذاك إلا أنه معدُّ للاستعمال؛ ولأنه لا يتنامى، ولأن المرأة تقتنيه لتتجمل به، فهو ملحق بثيابها وبأكسيتها، وملحق أيضا بالأواني التي تستعمل للطبخ وللشرب، وما أشبه ذلك ولو كانت ثمينة، وملحق بما يستعمل من الفرش ومن الوسائد وما أشبهها، فهو مستعمل هكذا قالوا، وإذا كان كذلك فليس فيه زكاة كسائر المستعملات لا سيما وهو لا يتنامى.
واستدلوا أيضا بأن خمسة من الصحابة نقل عنهم أنهم لا يزكون الحلي، منهم عائشة اسم> رضي الله عنها كانت تحلي بنات أخيها محمد بن أبي بكر اسم> ولا تزكيه. ومنهم أختها أسماء اسم> اسم> رضي الله عنها، كانت عندها حلي لها ولبناتها ولا تزكيه. ومنهم جابر بن عبد الله اسم> اسم> رضي الله عنه فقد روى عنه أنه قال: ليس في الحلي زكاة .
هكذا روي عنه موقوفا وهو صحيح . ورواه بعضهم مرفوعا ولكنه خطأ . فجماعة من الصحابة ذهبوا إلى أن الحلي لا زكاة فيها قياسا له على سائر المستعملات، وقد أيد هذا القول كثير من العلماء، وقد كتب فيه الشيخ عبد الله المنيع اسم> واختار أنه لا يزكي، وكتب فيه أيضا الدكتور إبراهيم الصبيحي اسم> واختار أيضا أنه لا يزكي، وكتب فيه بعض الأخوة مثل : فريح البهلال اسم> وعبد الله الطيار اسم> وكلامه فيه متوقف.
ويختار شيخنا الشيخ ابن باز اسم> وابن عثيمين اسم> أنه يزكى، ويستدلون بحديث عبد الله بن عمرو اسم> رسم> أن امرأة دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا ؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار ؟ ، فألقتهما وقالت: هما لله ورسوله متن_ح> رسم> .
وقد روي هذا الحديث من طرق عن عمرو بن شعيب اسم> عن أبيه عن جده، فلما كان هذا الحديث مقبولا فلا عذر لنا في ترك العلم به لصحته وصراحته.
وأجاب الذين قالوا إنه لا يزكى - شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد اسم> رحمه الله، فإنه يختار أنها لا تزكى - أجابوا بالمقال الذي في عمرو بن شعيب اسم> وأجاب بعضهم بأن هذه الزكاة مجملة، فلا يدري ما هي، فيمكن أن زكاته عاريته، ويمكن أن زكاته ضمه إلى غيره، ويمكن أن زكاته استعماله فيما اشترى لأجله وما أشبه ذلك، وهذه كلها تخمينات لكن قالوا: إنه مجمل، ولا ندري هل بلغ النصاب أم لا، سوى ما كان على طفلة قد يكون عمرها خمس سنين، فهل تبلغ النصاب أم لا، فأفاد هذا بأن لفظة الزكاة في هذا الحديث مجملة.
ومما استدلوا به أيضا على وجوب الزكاة حديث عائشة اسم> رضي الله عنها وهو صحيح مروي في السنن وفي المسند، قالت: رسم> دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يدي فتخات من فضة، والفتخات واحدها فتخة وهي الخواتيم، قال لها: ما هذا يا عائشة اسم> ؟ فقالت: أردت أن أتجمل لك به؟ فقال: أتؤدين زكاته ؟ قالت: لا. فقال: هو حظك من النار رسم> أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
وهذا أيضا مما استدلوا به، وهو صريح وثابت ولا مطعن فيه. ولكنه مشكل أيضا من حيث إنه لم يعين نصاب الزكاة، فلعل زكاته عاريته أو نحو ذلك.
ولكن المشايخ قالوا: لا نأخذ بالتأويلات ونرد اللفظ الصريح، فلأجل ذلك يختارون ويرجحون أنه يزكى إذا بلغ النصاب.
ومما استدلوا به أيضا : الآية الكريمة في سورة التوبة: رسم> وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ قرآن> رسم> قال ابن عباس اسم> رضي الله عنه: كل مال أديت زكاته فإنه ليس بكنز. وكانت أم سلمة اسم> تلبس أوضاحا من ذهب. فقالت: رسم> يا رسول الله ! أكنزٌ هو؟ قال: إذا أدّيتِ زكاته فليس بكنز متن_ح> رسم> أخرجه أبو داود اسم> وصححه الحاكم اسم> حديث> .
فالله تعالى عمم في هذه الآية الذين يكنزون الذهب والفضة، وإن كان أكثر المفسرين حملوه على المكنوز الذي يوضع في الصناديق أو ما أشبهها، ولكن الغالب أن كثيرا من هذه الحلي تبقى في الصناديق أكثر الزمان.
وحيث إن النساء في هذه الأزمنة تباهين بها وأكثرن منها، فصارت المرأة تشتري ما قيمته مائة ألف أو مائتا ألف أو أكثر أو أقل، ولا تلبسه إلا في المناسبات، فقد تلبسه في السنة مرة أو مرتين، أو مرارا يسيرة في الأعياد والحفلات، ثم تغلق عليه. فأصبح في هذا شيء من الإسراف، فلأجل ذلك يترجح أنه يزكى عملا بهذه الأدلة التي استدل بها مشايخنا وعملا بأنه من جملة الكنز أي داخل في ما تضمنته هذه الآية.
مسألة>